قراءة في قصيدة – فاطما شرع الله معاك بين لريام

قراءة في قصيدة  – فاطما شرع الله معاك بين لريام

قراءة في قصيدة « فاطما شرع الله معاك بين لريام »
للشيخ الجيلالي امتيرد

الدكتور عبد الإله ثابت

          قصيدة « فاطما شرع الله معاك بين لريام » من قصائد الشيخ الجيلالي المشهورة والكثيرة التداول، والتي هي معشوقة الكثير من الولوعين بالملحون منذ القدم، والتي تحتوي على كلام شديد ومتين وقاس حيرت المهتمين في تصنيفها أهي من العشاقي أي الغراميات أم من التأملات النفسية أم عتابية إلى غير ذلك. وهذه الحيثية دفعتنا إلى إعادة التفكير وإعادة النظر في أغراض الملحون أي موضوعاته والتي حاول الدارسون أن يرتبوا القصائد فيها. بحيث بدأنا نبحث من خلال الكلام الذي تتضمنه القصائد عن مراد الشاعر من كلامه. فبينما كان الاهتمام منصبا على ما قال الشاعر وكيف قال، بدأنا نتساءل عن « ما ذا أراد الشاعر أن يقول ». وبما أن المصادر التاريخية للشعراء تنقصنا فلم يبق لنا إلا استنطاق القصائد عن مراد الشاعر منها وفيها. لذلك بحثنا في الألفاظ والمصطلحات التي استعملها الشاعر لكي نصل إلى مراده من استعمالها.

فقصيدتنا فيها أغراض مختلفة فهي عتاب وشكوى وتشكي واستعطاف وموعظة وإنذار وافتخار وغير هذه الأغراض سنتعرض لها في دراستنا للقصيدة قسما قسما.

وقبل البدء في ذلك نود أن نورد معطيات تعيننا على المراد

أولا: عاش الشيخ الجيلالي طويلا فحسب الروايات الشفوية فهو عُمر أكثر من مائة سنة، وعايش أزمات وملوكا أبرزهم سيدي محمد بن عبد الله، أي محمد الثالث. يقول في قصيدته الحراز: « خممت ما نفعت حيالي، وشكيت للكريم العالي، من ساعتي رجعت مخزني مشمور، من صحاب الملك الله يرحمو سيدي محمد ».

ثانيا: كان هوى الشيخ الجيلالي شرقاويا فكان يفتخر بانتماءه هذا في قصيدة الداوي في آخرها حيث يقول بعد التوقيع:  » رايس القرصان سلاوي  وسر لمواهب شرقاوي  سقاوني ساداتي سقوا »

ثالثا: وقع خلاف بين السلطان محمد الثالث والزاوية الشرقاوية. فبعدما دُمرت الزاوية الدلائية على يد السلطان مولاي رشيد التجأ بعض مريديها إلى الزاوية الشرقاوية حيث احتموا. فقام السلطان محمد الثالث بتخريبها سنة 1786 حسب أبي القاسم الزياني في كتابه « الترجمانة الكبرى ».

اختيار الاسم: في تقديرنا أن اختيار الشيخ الجيلالي لهذا الإسم هو لغاية باعتباره لا كاسم ولكن كوظيفة، وهي أن الفاطمة هي التي كانت تُرضع ثم فطمت أي قطعت عن الرضيع حليبها.

في هذه القصيدة توصلنا إلى أن الشيخ الجيلالي تقمص شخصية الزاوية لكي يخاطب الدولة في شخص رئيسها في ما فعله بها ومعها. وهذا يجرنا إلى البدء في تحليل القصيدة.

يقول الشيخ الجيلالي في قصيدته:

الحربة:

  فَاطْمَا شَرْعْ اَللهْ مْعَاكْ بِينْ لَرْيَامْ      وَاشْ لَحْبِيبْ يْكَافِي بَالْجْفَا حْبِيبُو

القسم الأول

ياللّي بَهْوَاها دَمْعْ النّْوَاجَـْل سْجَـــامْ    فُـوقْ خَدِّي وَضَّحْ لَهْلْ اَلْهْوَى كْتِيبُو

بَعْدْ حُسْنْ اَلْعَشْرَا وَكْمَالْ طِيـبْ لَمْـَرامْ       زَمّْ رَعْـَدْك وَهْطَــلْ بَفْرَاتْنُو سْكِيبُو

بَانْ عِيبَكْ وَغْشَانِي فْلَجْـوَارَحْ سْقَــامْ         نَـاسْ لَحْيَـا لُو طَالْ اَلْحَالْ مَا يْعِيبُـو

     وُلَمْلِيحْ  يْسَاعَدْ وَمْسَاعْــدَاهْ لِيَّــامْ        وَالْقْبِيـحْ فْعَــالُو وَمْصَـايْبُو تْصِيبُو

          يعترف في بداية قصيدته بالعلاقة التي تربط بين الزاوية والدولة، وأن هذه العلاقة حب قد يصل إلى العشق بحيث أن فعلها جعل الزاوية تبكي ودموعها خطت رسما على الخد. وأن هذا كان نتيجة تبدل سلوك الدولة أو الملك معها، إذ كما يقول في البيت الثاني: بعد الصفاء جاء الرعد ومعه الطوفان الجارف. مما أظهر العيب في التصرف وهذا لا يليق بالمتخلقين بالحياء وهو ما ينافي التصرف كما في البيت الثالث. وكعادة الشيخ الجيلالي فهو يُضمن أو يختم القسم بمثل أو بقول سائر كما هو البيت الرابع.

القسم الثاني

تمتاز هذه القصيدة في كونها جمعت ثلاثة عناصر من مكونات القسم وهي العروبي والسارحة والقسم. وقد يكون لهذا مرمى معنوي عند الشاعر نتبينه من بعد

العروبي:
أَنَا يَافَاطْمَا حْسَانَـكْ مَا نَنْسَاهْ              وَنْـتِ لَحْسَانْ مَا ضْحِيتِي مَنْ نَاسُو
كْشَفْتِي سَرّْنَا وُلـَوَّحْتِ بَغْطَاهْ              عِيَّارْ اَلْحُـبّْ طَابْعَـكْ كَشْفْ نْحَاسُو

الردمة:
حَتَّى بُنْيَانْ مَا عْلاَ دُونْ لْسَاسُــو 

السارحة:
كَانْ كُنْتِ شَادِي ظِيَّالْ              كُنْتِ عَنْدِي لَلنَّاظْرِينْ عَـزّْ وُزَهْوَا

كَانْ كُنْتِ صارَمْ فلالْ                   قَبْلَنْ يَحْفَا مَكَنْت بِهْ كَمّْ مَنْ هَفْوَا

كَانْ كُنْتِ بـَدْرْ فْتَمْثَالْ              مَنْ نُورْ اَسْرَارْ مْحَاسْنِي تْهَلَّلْ وَضْوَا

القسم:
كَانْ كُنْتِ سَرْتِيَّا مَنْ سْرُوتْ لَهْمَامْ   لَحْتْ سَرْجَكْ وَلْغِيتْ عْلَى اَلرّْضَى رْكِيبُو
كَانْ كُنْتِ بِينْ حْفَالْ اَلنّْجايَبْ مْقَـامْ          لُـو عْـلاَوْ اَلْحِيطَانْ اَسْـَوارْهَا يْرِيبُو
كَانْ كُنْتِ بُسْتَانْ اَذْكَاتْ بِكْ لَنْسَـامْ        مَـْن شْدَايَا فَتْـحْ زَهْـرُو وُفَاحْ طِيبُو
كَانْ كُنْتِ ثُوبْ لْبَسْنَاكْ بِينْ لَكْـرَامْ        عَـرْضْ لَكْمَامْ رْخِينَا لَلثّْـرَى سْحِيبُو

         نبتدئ بالعروبي وهو في الشعر عبارة عن عدد من الأبيات طال أو قصر ويختم بردمة وهي نصف بيت على روي العجز أو الغطا بحسب تعبير أهل الملحون. وهنا يبتدئ العتاب الشديد الذي ربما عُد شتما فيقول له: انني لم أنس إحسانك ولكنك لم تضح من أهل الإحسان لأنك كشفت السر الذي كان بيننا. وما يهمنا هنا هو الردمة التي تعبر عن أهم مقومات الدولة حيث يقول: لا وجود لبنيان الدولة إذا لم يكن العدل. وهذا ما عبر عنه عبد الرحمان ابن خلدون من قبل في مقدمته. فهل هذا الخضار الذي لا يقرأ ولا يكتب قرأ مقدمة ابن خلدون؟

        في السارحة يورد علاقة الحاكم بالمحكوم، فلا حاكم إلا بالمحكوم. فيقرر أن ما يمكن أن يكون من مميزات الحاكم إنما هو مستفاد من المحكوم. وحتى في القسم يستمر هذا التذكير بالعلاقة. فلو كنت غزالا كنت تتعزز بي، ولو كنت سيفا قاطعا قبل حفاءه أعملته في كم من خطأ، ولو كنت بدرا فإنما من محاسني ضاء. لو كنت جوادا من أفراس الملك ألقيت قيادك وألغيت راضيا امتطاءه، ولو كنت مقاما عاليا يمكن أن تتهدم حيطانه، ولو كنت بستانا تضوعت نسماته فإنما مني فتح زهره وفاح طيبه، ولو كنت ثوبا لبسناك بين الكرام وأرخينا أكمامه إلى أن تصل إلى الأرض.

يتبين من هذا أن الشاعر يذكر بعلاقة الحاكم بالمحكوم، وأن الحاكم إنما هو بالمحكوم. ولعمري هذا هو الشعور بالمواطنة عند الشاعر وعلى لسان من كان يتكلم.

القسم الثالث:

كَانْ اَسْهِيتِي اَتْيَقْضِي مَنْ حَالْ اَسْهُوكْ       وِلاَ تَهْتِي اَلتِّيهْ تَعْرِيكْ اَيَّامُو
نَظْرِي بَلْوامْح لبصر اَللِّي سَبْقُوكْ         اَكْمَا فَرْغُو يَفْرَغْ سُوقَكْ بَزْحَامُو

سِيرِي حَتَّى يَشْرَبْ عَوْدَكْ بَلْجَامُو

لُوْ اَتْرَفْعِي قَدْرَكْ يَصْغَارْ      الادَابْ اَيْدَلْ عْلَى اَكْمَالْ طِيبْ اَلنَّسْبَا
لاَ تْصَرّْفِي فِي حْبِيبَكْ عَارْ       رَدِّي شِيطَانْ اَبْلاَكْ عَنْ عْيُونْ اَلْوَدْبَا
وَالْجْفَا بَعْدْ اَلْوَصْلْ اَغْيَارْ             صَاحَبْ غَرْضُو بِينْ اَلاصْحَابْ مَالُو صَحْبَا


لاَ تْغَلْطِي حِينْ اَتْنَظْرِي اَبْيَاضْ لَكْمَامْ         عَمَّرْ اَسْرُورْ هَلْ اَلْغَلَطْ مَا يْطِيبُو
لُو شَرْقتْ وُلاَحَتْ لَلْجُوّْ شَمْسَكْ اعَلاَمْ       لاَ غْنَى اَللِّيلْ إِيْنَادِي خَلْفْهَا اَحْجِيبُو
لٌو تْعِيشِي مَا عَاشَتْ فَالزّْمَانْ اَلاهْرَامْ        لاَ غْنَى مَنْ اَلْكْبَرْ يَاتِيكْ جَنْدْ شِيبُو
لُو اَحْكَمْتِي وَتْحَكَّمْتِي يَفْرَغْ لَحْكَامْ      سَاعَتْ اَلظُّلْمْ اَتْفُوتْ وُنَاسْهَا اَيْغِيبُو

         في هذا القسم المعاتبة تشتد مع التذكير وبقوة بشروط الأدب والمعاملة والاعتبار. فهو يقول لفاطمته: إذا كان هناك سهو منك فتيقظي منه. وإن كان هذا التصرف، الذي هو الجفاء، تيها فالأيام التي رفتعك قادرة على تعريتك وانظري لحال من سبقوك كما كانوا وزالوا من الوجود كذلك أمكن لسوقك أن يفرغ بعد حال الزحام. وأُمهلك حتى يرد جوادك بلجامه، وهذه طبعا من المستحيلات. وهذه الجملة هي التي جعلتنا نعيد النظر في هذه القصيدة. إذ لا يكون الفرس إلا عند رئيس الدولة آنذاك أو عند الخيالة في الحرب. أما في الحالة العادية فعند السلطان والذي تؤخذ له البيعة وهو على الجواد.

       ونتابع الشرح، لو رفعت قدرك فقد أهنته لأن الأدب يدل على كمال طيب النسب، وليست هذه بمعاملة تليق مع من يخضع لك بعامل المحبة، وامسك بلاءك عن الأدباء. وهنا يدخل الشيخ نفسه في حظيرة الأدباء الذين التجأوا للزاوية. والجفاء بعد الوصل خصام، لأنه يدل على أن الوصل كان لغرض في النفس ويختم البيت بالحكمة على عادته « صاحب حاجته في الصحبة لا يُعد صاحبا ».

       ويكمل القسم: لايغرنك بياض الأكمام لأن سرور أهل المفاخرة بالزائل لا يطيب، فلو علت شمسك في الأفق وعمت لا بد من الليل وراءها، ولو كان عمرك مثل الأهرام في الطول لا بد من الشيب وراء ذلك ومعه الضعف. وأخيرا يذكر بأن الحكم والتحكم لا يدل على الدوام إذ ساعة الظلم تمر ومن كان ظالما يزول.

وننبه على لفظتي الحكم والتحكم وهما لفظتان لا تستعملان إلا في مجال الدولة، وكأنه يعني بهما الحكم والسلطة واللتان لا تجتمعان إلا لولي الأمر.

القسم الرابع:

حَدَّثَّكْ وَالْحْدِيثْ لَلْعَاقَلْ تَنْبِيهْ       تَرْكِي صَدّْ اَلْجْفَا وُجُولِي فِي اَوْصَافِي
عَرْضَكْ صُونِيهْ وُعِيبَكْ اَلنَّاقَصْ غَطِّيهْ     مَحْلاَ قُولْ الصّْفَا مْعَ العهد اَلْوَافِي
حَافِيتَكْ بَالْجْفَا وُلاَ زَلَتْ اَنْحَافِي 

مَا حْدَتْ لَكْ مَنِّي هَجْرَانْ         يَا مَنْ لاَّ فِيهَا خِيرْ مَنْ شْغَافِي يُكْفَا
بَاحْ سَرِّي بَعْدْ اَلْكُثْمَانْ           لَمَّنْ نَشْكِي بَجْفَاكْ يَاقْلِيلَةْ اَلْوْفَا
قَالَتْ اَلشّعْرَا وَاْلَعَرْفَانْ             مَنْ لاَ يَحْسَنْ بَحْسَانْ مَا معاه اَمْعَرْفَا


بَالْوْفَا وَافِي مَنْ وَفَاكْ بِيكْ يَسْكَامْ        وَاشْ مَنْ اَجْرَحْ بْرَا مَا عَالْجُو اَطْبِيبُو
بالمكارم كرمي وَالرَّاحْمِينْ تُرْحَامْ       لُو بخلت اَلْبُخْلَا اَلْجْوَادْ مَا اَيْخيبُو
طَالَتْ اَلْغِيبَا زُورِينِي بَسْرَعْ لَقْدَامْ       ضرع نَاسْ اَلْجُودَا مَا غَرْزْ مَنْ اَحْلِيبُو
طَاعْتَكْ لاَزَمْ عَنِّي وَاجْبَا فَالْغْرَامْ       لاَ تْقَطْعِي فَبْهَاكْ لْسَاكْنِي اَنْصِيبُو

       يتأرجح الأمر في هذا القسم بين العتاب والنصيحة والاستعطاف، وأهم ما في القسم الكلام الأخير حيث يعترف بوجوب الطاعة  عليه، مما يعني وأنه وإن بالغ في العتاب والشكوى فهذا لا يعني خروجا عن الطاعة ولا المخالفة.

القسم الخامس:

مَنْ بَاعْ اَحْبِيبْ خَاطْرُو بَالَفْ زَلَّة      بَاعُو بِيعْ اَلْخْطَا اَبْسُومْ اَبْخِيسْ اَفْلِيسْ
وَنَا قَلْبِي عْلَى اَغْرَامَكْ مَا وَلَّى        وَنْتِي قَلْبَكْ كْمَا لحْجَرْ جَلْمُودْ اَيْبِيسْ
اَمَبْكَانِي اَبْلِيعْتَكْ نَعْدَلْ وَنْمِيسْ         

آشْ قَلّْ حْسَانَكْ وَجْدَاكْ      حَتَّى خَالَفْتِي عَهْدِي اَبْغِيرْ اَنْوِيَّا
شَرّْ قُبْحْ اَفْعَالَكْ يَلْقَاكْ        مَا يَنْجَا مَنْ لاَّ فِيهْ صَدْقْ وُلاَ نِيَّا
فِي نْهَايَتْ مَسْطُورْا َغْنَاكْ       رَدِّي نَفْسَكْ لَحْجَاكْ لاَ تْكُون اَسْهِيَّا

سَاعْدِي مَنْ طَاعَكْ وَالْغِي عليك لَمْلاَمْ       قِيسْ حُبَّكْ وَصَّاكْ عْلَى هْوَى اَرْقِيبُو
لَلصّْبر شَدِّي يَا تَاجْ اَلْعْوَارَمْ اَحْزَامْ              عَارْ اَلْشْيَاخْ اَلْعَاقَلْ لاَ غْنَا اَيْهِيبُو
بِينْ لَعْوَانَسْ لِيكْ اَرْعِيتْ حَقّْ وَدْمَامْ            كُلّْ غَالَطْ لاَبُدّْ مَنْ اَلْجْفَا اَيْجِيبُو
إِلَى قْرِيتِي مَسْطُورِي جَاوْبِيهْ بَسْلاَمْ        وَاشْ قَلْبْ اَلْمَطْلُوبْ اَصْفَا عْلَى اَطْلِيبُو  

        في هذا الجزء وفي إطار العتاب والمخاصمة والنصيحة يهمنا أن نسلط الضوء على البيت الثالث ما قبل الأخير في القسم حيث يحث على الصبر وعلى مجانبة المخالفة مع الشيوخ ويعني بهم شيوخ الزوايا. لأن الاعتداء عليهم، الذي عبر عنه بالعار، إنما هو اعتداء على نظام متكامل قائم أساسا على صدق نية وإخلاص عمل ورؤية إحسانية. فهو اعتداء عليهم وعلى المريدين وعلى النظام. ولا خير في ذلك.

وفي البيت الأخير يترجى أن ياتيه الجواب سريعا وهو رجوع المياه إلى مجاريها بين الزاوية والدولة. ويعبر عنه بصفاء قلب الحاكم على طالبه الذي هو الزاوية.

القسم الأخير:

آمُولاَتِي إِلَى اَوْتِيتْ اَلسَّمْحْ اَيْعَمّْ       اَدْوِيتْ من حَرّْ نَارْ شوقي وَغْرَامِي
عِيدِي لِي وَاشْ خِيرَكْ اَلْمْنَعَمْ اَنْتَمْ      هَلْ  تَرْجَعْ كِيفْ كَانَتْ اَمْعَاكْ اَيَّامِي
نُكَّارْ اَلْخِيرْ قَالَتْ اَلنَّاسْ اَحْرَامِي

لُو اَتْبِيعِينِي عَلْ لَشْهَادْ        حَشَى نَفْدِي لِكْ خِيرْ يا شْبِيهَتْ عَبْلَا
كَانْ عَشْقَكْ ليَّا جَدَّادْ      مَالُو نَقْطَعْ يَا بُودْلاَلْ مَنْ بَعْدْ اَحْلاَ
يَاتْرَا للْفَايَتْ يُعَادْ       خِيرَكْ يَدْفَعْ وِيفِيضْ كُلّ يُومْ بْحَمْلاَ

بَالزّْيَارَا وَلَّفْتِنِي اَحْسَانَكْ اَلتَّامْ          كُلّْ يُومْ إِيْضُوعْ اَنْسِيمْ اَلرّْضَا اَجْلِيبُو
فَاكْدِينِي زُورِينِي فَالْيَقْظَا وَالْمْنَامْ         كَانْ غَضْبْ اَلْحسَانْ اَيْرِيعْ مَنْ اَغْضِيبُو
عَبْدْ اَلْجْلِيلْ اَيْرَاعِي لِيكْ حَقّْ وَدْمَامْ               لِيكْ طَاعَا وَالْغَادَرْ رَبّْنَا اَحْسِيبُو
وَالْكْذُوبْ اَمُولاَتِي فَالْمْذَاهَبْ اَحْرَامْ        قَالْ مَمْلُوكْ اَغْرَامَكْ بَرّْدِي اَلْهِيبُو

       في هذا الجزء يأتي التوسل والاستلطاف بعد التذكير بما كان عليه الحال قبل. وأنه لا ينكر خيرها السابق لأنه ليس حراميا كما في الحكمة الواردة. وهو يرجوها أن تعيد النظر في موقفها مع التذكير أن طاعتها عليه واجبة وأنه ليس كاذبا في هذا الشعور.

        هكذا يتبين أن هذه القصيدة هي من قصائد النقد السياسي ولكن بطريقة لا يمكن أن يفهمها ويشعر بها إلا المقصود بها وهذا ما نعنيه بالملحون أي المرموز. وكان السلطان محمد الثالث من المتذوقين لهذا الأدب والناظمين فيه. وقد بردت حدة الخلاف بين الزاوية والسلطان في آخر حياته فكان ابنه المولى سليمان هو الذي أعاد الاعتبار للزاوية حسا ومعنى. مما جعلنا نستشف أن موقفه هذا كان من موافقة أبيه أو وصيته قبل موته رحم الله الجميع.

ولعلنا لا نجانب الصواب إذا افترضنا أن لهذه القصيدة على الأقل أخت أو أختان.

في الأخت الأولى، واسمها أيضا فاطمة، يقول في حربتها:

أَفَاطْمَا بْطَا مِيجَالَكْ عَنِّي       وَاشْ لَحْبِيبْ أَمُولاَتِي يْكُونْ غَدَّارْ

     فهي على شكل تساؤل استنكاري، فهو استبطأ رجوع المياه إلى مجاريها فلاحظ أن الأجل تأخر فتساءل هل الحبيب يكون غادرا؟ فلا يفي بالوعد.

وكذلك ربما قصيدة الداوي والتي يورد في نهايتها كون سقوته شرقاوية كتذكير للداوي، والداوي معناها الهارب المبتعد. وكذلك قصيدة الجافي وهي أيضا في نفس الموضوع. إلا أن التي اهتبل الناس بها وأدركناهم يحفظونها ويودون سماعها في كل جمعة هي التي أوردنا في المقال.

أرجو أن أكون قربت بعض الشيء المعنى للمتلقي الكريم. وما هذه إلا محاولات لكي نعيد الاعتبار لهذا الأدب ولمن نقلوه لنا عوام وخاصة وخاصة خاصة. ولا نتهمهم في أذواقهم ولا في سلوكهم ولا في رؤيتهم الفنية الرقيقة رحمهم الله. فهم لم يكن لهم الملحون مجرد وسيلة فرجة، وهم الذين تركوا لنا أن الملحون « فراجتو فكلامو » وليس في غناءه ولا ترنيمه بل في فهم الكلام واتجاهاته. فكانوا يعيشون به ويتخاطبون به ويتراسلون به وربما تهاجوا به فجاءوا بما يحير الأذهان بلاغة وشعرا. إلى جانب أنه كان وسيلة تثقيفهم وتربيتهم رحمهم الله جميعا.

كتبه عبد الإله ثابت وكان الفراغ منه في مفتتح شتنبر 2024  

مقالات قد تعجبك

Leave a Comment

You must be logged in to post a comment.

Share This