التسمية في الملحون / د. عبد الإله ثابت

التسمية في الملحون / د. عبد الإله ثابت

التسمية في الملحون
د. عبد الإله ثابت

بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد نبيه ورسوله

التسمية في الملحون على أربعة محاور

  1. كيف يسمي المتلقي قصيدة الشاعر
  2. كيف يسمي الشاعر قصيدته
  3. كيف يسمي الشاعر ممدوحه أو مراده في قصيدته
  4. كيف يسمي الشاعر نفسه في قصيدته ويؤرخ لها
  5. كيف يسمي الشاعر قصيدة غيره إذا كان له فيها مأرب.

المحور الأول:

ويتعلق بتلقينا لقصائد الشعراء وكيف نسميها لنميزها. فحينما تكون للشاعر قصيدة واحدة في موضوع ما نسميها ببدايتها أو بجزء من لازمتها أي الحربة، أو بالإسم الذي أنشئت فيه القصيدة. خصوصا حينما تكون للشاعر قصيدة واحدة في ذلك الإسم. ولكن تتعقد المشكلة حينما نجد أكثر من قصيدة لشاعر واحد في نفس الإسم أو ما نسميه نحن الموضوع. ونضرب لذلك مثالا الشيخ الجيلالي امتيرد له قصيدتان في الإسم « فاطما » فيلزمنا التمييز بينها بذكر الكلمات الأولى من الحربة. فنقول مثلا « فاطما شرع الله معاك » والأخرى « فاطما بطا ميجالك ». ويزيد الأمر تعقيدا لما تكون للشاعر قصائد في نفس الإسم. فمثلا للشيخ بن عطية خمس قصائد في « زينب » وللحاج دريس بن علي أربع قصائد في « فضيلا » وللسي التهامي لمدغري ست قصائد في « فارحا »، وللشيخ بلكبير أكثر من عشر قصائد في « حليما » واللائحة تطول. فكل واحدة نضيف إليها بعض كلمات من حربتها لنميزها عن صويحباتها.

المحور الثاني:

وهو حين يسمي الشاعر قصيدته فيها. وفي هذه الحالة يوفر على المتلقي عناء البحث عن تسمية لها. ولكن هذا قليل في الملحون. فلم نجد إلا قصائد قليلة سماها الشعراء، كقصيدة « العرفاوية » للشيخ النجار وقصيدة « عسل الشهدة » للشيخ بن سليمان، وقصيدة « السفرية » للسي عباس بوسته، وقصيدة الغطاس للشيخ لغرابلي وقصيدة الشيبية للشيخ عباس الحرار. وقد يغيب عنا قصائد أخرى ولكنها قليلة جدا أمام التي لم تسم من قبل ناشئها.

المحور الثالث:

وهنا لن نتكلم على قصائد المدح المتداولة في الأشخاص أو في الدول بحيث يرد إسم الممدوح واضحا جليا في القصائد. وهذا قد يكون في المدح أو الذم أو التعزية. وكلامنا في هذا المحور حينما يمدح الشاعر شخصا، ويكون موضوع القصيدة المتبادر لا يرد فيه، ويورده مرموزا داخل القصيدة وهذا أيضا قليل جدا. والأمثلة التي بين أيدينا على ذلك ثلاثة. قصيدة الطير للشيخ الجيلالي حيث يبين في القسم قبل الأخير منها أن طيره إسمه كما يقول « ميمين وحا ودال » بمعنى أن الطير الذي يعنيه إسمه « محمد ». المثال الثاني الطير للشيخ بن سليمان وهو أيضا يبين أن الطير الذي يعني إسمه « إدريس »، والمثال الثالث عند الشيخ الكندوز في قصيدة « غاسق لنجال » حيث هو أيضا يوضح أن غاسق لنجال هذا إسمه « سيدي محمد » فيقول في قصيدته في تسمية ممدوحه « ثلث غين نخفض فوزاني نصف حا بالخفضا يُذكار نرفع حرف الرَّبْعين والثمنيا والميم ودال هما للأسم كمال » فممدوحه سماه « سيدي محمد » ولكن بدون احتساب ولا إعتبار حروف اللين. والمثال الأخير لدينا في قصيدة « لغزيل » للسي التهامي لمدغري حيث يضمن إسم ممدوحه في بدايات أقسام قصيدته، فإذا جمعت الحروف الأولى لبداية الأقسام أعطتنا أن إسم ممدوحه أو غزيله هو « محمد لعربي ».

المحور الرابع:

حول تسمية الشيخ لنفسه في قصيدته والتأريخ لها: دأب أغلب الشعراء على وضع اسمهم في آخر القصيدة كعلامة على نسبة القصيدة ولكي لا يسرقها آخر وينسبها لنفسه. وكان السبب الرئيسي في نظرنا لوضع الإسم هو دعوة المتلقي للترحم على الشاعر إذا ما أعجب بالقصيدة كما جاء في مدحة الغرابلي « يا خير الخلق الطاهر » حيث يورد في آخرها « نوصيك ادع للشاعر ».

واختلفت طرقهم في وضع أسمائهم بالنسبة لمن كان يفعل ذلك، إذ نجد شعراء كانوا لا يضعون أسماءهم في قصائدهم كسيدي قدور العلمي، وفي تقديرنا أن الشيخ العلمي قصد عدم إيراد اسمه في قصائده لأنه كان يعتبر أن الكلام في القصائد ليس له، وإنما هو وهب وما كان الشاعر إلا محط هذا الوهب. يحكي مؤرخ حاضرة مكناس « عبد الرحمان بن زيدان العلوي » في كتابه « إتحاف أعلام الناس » أن أحد تلامذة سيدي عبد القادر العلمي زاره في أواخر حياته، فطلب منه شيخه أن يقول له شيئا من الشعر، فقرأ عليه قصيدته المشهورة « التوسل » التي تبتدئ لازمتها ب (يا من بلاني عافني رحمتك ننال) فسأله الشيخ العلمي: لمن هذا الكلام؟ ليجيبه تلميذه: هو كلامك سيدي. لينعجب الشيخ بقوله: أنا قلت هذا الكلام؟

والحالة الثانية هي السي التهامي المدغري، وهذا الشاعر عاشر شاعرا أميرا هو الأمير محمد بن عبد الرحمان العلوي أي محمد الرابع قيما بعد. ولأنهما كانا رفيقي حياة كانا ربما اشتركا في القصيدة الواحدة أو تساجلا بالقصائد. وحتى لا يُغرف شعر الأمير من شعر الفقيه لم تقع التسمية لكليهما. ولكن تبقى بعض القصائد صحيحة النسبة للسي التهامي لأنها كانت وليدة ظروف جد خاصة. ك »النحلة » أو « العوْد » أو « زايدة » أو « مسعودة » أو « الزهو فبنات وشبان ». الحالة الأخرى التي لم يسمي فيها الشاعر قصائده هي حالة السلطان مولاي عبد الحفيظ، ولأنه كان سلطانا لم يكن يليق به قرض الشعر خصوصا الغزليات. ولكن لما نظمها تركها بدون تسمية.

ومنهم من كان يضع اسما عاما بحيث يصعب على الدارس تحديد الشاعر بعينه. فالكثير منهم تسمى باسم محمد فكان يوقع قصائده ب ‘محمد’ وكأنه وسط كل الناس هو الوحيد المسمى بهذا الاسم.

وما يهمنا هنا هو إرمازهم لأسمائهم في قصائدهم.

وبعد استقراء كثير من شعر الملحون استخلص أن الأسماء المرموزة في هذا الأدب لا تتعدى اسمين هما ‘محمد’ و’أحمد’ مع وجود حالات خاصة قليلة غيرهم.

ولما كان اسم محمد هو الأكثر فقد تعددت رموزه. فمنهم من يذكره كاملا كولد ارزين، ومنهم من يعدد حروفه « ميمين وحا ودال » ومهم من يورد عدده والذي هو بحساب الجُمَّل 92. فمنهم من يذكرها هكذا « جوج وتسعين » أو يقلب العدد إلى حروف أخرى، « ضب » كما يورد الشاوي أو بمن عنده أيضا  أو ملكب كما يذكر آخر أو « كعب » كما عند بنعطية. على أننا يجب أن ننبه أن حروف اللين لا تعتبر في الحساب إلا ما نذر.

وسنذكر معهما ما شذ عن القاعدة إن وُجد.

وأشكال التسمية تتلخص فيما يأتي:

  • أن يذكر الشاعر اسمه ولقبه: كما هو في بعض قصائد ولد ارزين أو الغرابلي أو الحاج ادريس بن علي الملقب ب « الحنش » وكمثال على ذلك قول الغرابلي في قصيدة مليكة حيث يقول « والناظم لسجال أسمو يوريك الغرابلي الحاج احمد صمصام لمداهكا ». وكقول الحاج ادريس بن علي في قصيدة « أسادتي اولاد طه » حيث يقول « وسلام الله من ادريس بن علي ما سارت لبزال » وكقول الشريف بن علي ولد ارزين في قصيدة الشمعة « واسمي نبينو ما يخفا موضوح في قوالي محمد الشريف بن علي ولد ارزين صيلا » أو كقول المغراوي في قصيدة « حمامات السطاح » « واسْمِي عَبْدْ الْعْزِيزْ وَاضَحْ نَسْبِي مَغْرَاوِي ». على أننا ذكرنا ما اشتهر من الشعراء لدينا ولم نحصر، إذ الملحون بحر لا ساحل له وإنما أوردنا ما أوردنا على سبيل المثال. وكل ما سنورده سيكون مثله.
  • أن يذكر الشاعر لقبه فقط ومثال ذلك ما ورد عند الكندوز في قصيدة « غاسق لنجال » حيث يسمي ب « قل قال الكندوز وسال عنو فوطا وجبال ».
  • أن يذكر الشاعر اسمه الذي اشتهر به كقول الجيلالي امثيرد في قصيدة « فاطما شرع الله معاك » « عبد الجليل يراعي ليك حق وذمام » أو كقوله في قصيدة « الزطمة » « الْحَبْرْ المَدُّوبْ الجِّيلالِي مَجَّادْ الرّْيَامْ ».
  • أو أن يجعل لنفسه رمزا خاصا به لا يشاركه فيه غيره، كالشاعر محمد لكبير بن عطية حيث جعل رمز « نبري » دالا عليه في أغلب قصائده. وهذا الرمز ما هو إلا تحويل لعدد كلمة « لكبر » ودائما مع عدم احتساب حروف اللين والتي هي الألف والواو والياء.
  • أو أن يورد إسمه مختصرا في حروفه كما فعل امتيرد في بعض قصائده حيث يسمي ب « جيم ولامين »، أو علال السدراتي حيث يسمي ب « عين ولامين ».
  • أو يصحف إسمه كما فعل مولاي الذهبي في قصيدته « طامو » حيث يقول « بْهَدْ سِيفِي اَسْمِي مَشْهُورْ مْشَرّْفُ بَالدَّالْ اَلْمَعْجَامْ » دهبي قلبها إلى « بهد » وأكد على أن إسمه بالذال المعجم.

ويبقى في المحور عنصر التأريخ للقصائد فهذا لا يكون إلا باستعمال الرموز الرقمية للحروف، وهذه الرموز هي ما اصطلحوا عليه ب »حساب الجمَّل الكبير » ونورده في المخطط التالي:

ا 1 ح 8 ص 60 ت 400
ب 2 ط 9 ع 70 ث 500
ج 3 ي 10 ف 80 خ 600
د 4 ك 20 ض 90 ذ 700
ه 5 ل 30 ق 100 ظ 800
و 6 م 40 ر 200 غ 900
ز 7 ن 50 س 300 ش 1000

 

بمقتضى هذه القيم الرقمية للحروف قد يسمي الشاعر نفسه بحسبها. ودائما لما يؤرخ لا يفعله إلا بحسبها. ولنضرب على ذلك مثالا قصيدة السفرية حيث يقول في آخرها « تاريخي شرق وبان » ودائما باعتبار عدم احتساب حروف اللين يكون تاريخ القصيدة هو 1352 هجرية. وهكذا كل القصائد المؤرخة تتبع هذا النظام.

المحور الخامس والأخير:

وهو حينما يريد شاعر الكلام على قصيدة غيره، مدحا أو غيره، فيعطيها إسما مناسبا له هو لكي يشعر عليها. وأقرب مثال لدينا على ذلك قصيدة « العقيقة » في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام للشاعر سعيد المنداسي الذي عاصر السلطان مولاي إسماعيل العلوي. هذه القصيدة ذات النفس العالي لغة وتركيبا ومعاني، اطلع عليها الشاعر عبد القادر العلمي فحاول أن ينشأ على منوالها فلم يستطع، وحاول معارضتها فلم يستطع كذلك، فأنشأ فيها قصيدة أسماها فيها « دامي شرَّادة ». ومعناها الغزالة النفور الدائمة الهروب والحركة. ومدح تركيبتها وكأنه يمدح شخصا ماديا. بينما هو مدح القصيدة كشخص معنوي.

رحم الله شعراءنا الذين وثقوا لنا ثقافتنا وحضارتنا وتاريخنا علاقاتنا داخل مجتمعنا بأشعار رفهوا بها عنا وخزنوا فيها رسالات إلى الذين تعمقوا في كلامهم وحاولوا حل رموزه ومعمياته، فكان الشعراء يمدحون هؤلاء الباحثين ولو جاءوا بعدهم بعشرات أو مئات السنين. ودعوة للباحثين لكي يستنكهوا أغوار هذا الأدب الرفيع ليطلعوا على المستوى الرفيع الذي كان عليه المجتمع في وقت هؤلاء الشعراء.

مقالات قد تعجبك

Leave a Comment

You must be logged in to post a comment.

Share This